يُفَضِّل رجال الأمن أن يطلقوا على أنفسهم اسم المجتمع. ولكن، حتى حزيران/ يونيو، كان البعض منهم يقول أن تحويل تويتر إلى غرفة خاصة بهم يتردد بداخلها الأمور المثيرة للجدل، هو الإنجاز الأعظم لمجتمعه.
ولكن منذ تسريبات سنودن، وُجد تغيّرٌ واضحٌ وتضخُّمٌ ملحوظٌ في الموقف المُتَّخَذ من هذا الاعتقاد؛ حيث أصبح المُغرِّدون على تويتر نشطاء، مما أدى إلى أن الشركات قد أوقفت الخدمات أو أغلقت أبوابها، وصار الناس غاضبين من ذلك. ويمكننا المخاطرة والتعبير عن هذا الأمر بمقولةٍ ثابتة (كليشيه)، وهي أنهم لا يرغبون في التعامل معها بعد الآن.
توجد كلمات مثل الشفافية، والتي تُعَد جزءًا من المعاجم الأمنية والبروتوكولات التي تم إهمالها لفترةٍ طويلةٍ وتخريبها بشكلٍ واضح؛ حيث إن الخوارزميات والمعايير الداعمة لتقنيات التشفير لم تعد سرًّا يخفى على أحد.
لقد ارتكبت وكالة الأمن القومي خطأً في حق الأمريكيين و”غير الأمريكيين”، عندما جمعت البيانات الوصفية من المكالمات الهاتفية، وتنصَّتت على الروابط لمراكز البيانات؛ لمراقبة عمليات البحث التي تتم على جوجل ورسائل البريد الإلكتروني، مما يعني تجاهل وسحق التعديل الدستوري الأول، والضرب به عرض الحائط باسم الأمن القومي.
ونتيجةً لذلك، تسببت وكالة الأمن القومي في إيذاء العاملين بقطاع الأمن؛ لأنها تسللت إلى الفناء الخلفي الخاص بهم عن طريق شل وتعطيل عملية تطوير المعايير، التي يخطط لها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) من البداية. وسواءٌ لجأت الوكالة إلى القانون أو لم تلجأ، فهي في النهاية تجبر الشركات على التخلي عن مفاتيح التشفير، بل وتلمِّح إلى إمكانية اختراق الشركات لسرقتها إذا لزم الأمر.
كانت الاستجابة رائعة؛ حيث قامت كلٌّ من جوجل، وفيس بوك، ومايكروسوفت، وتويتر، ولينكدين وغيرها من الشركات بتقديم التماس إلى الحكومة؛ من أجل السماح لشركات الإنترنت التأسيسية هذه بأن تكون أكثر صراحةً وشفافيةً فيما يتعلق بطلبات الأمن القومي، التي تتلقاها من أجل التعرف على بيانات المستخدمين.
وبموجب القانون، لا يُسمَح لهذه الشركات بتقديم بيانات محددة حول خطابات الأمن القومي، إلا أنها تجادل المحاكم العليا في هذا الأمر، بحجة أنها يجب أن تكون قادرةً على ذلك؛ ليس لسببٍ آخر سوى أنها تريد إثبات عدم تواطئها مع وكالة الأمن القومي (NSA) أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، في مسألة تقديم بيانات المستخدمين دون أمرٍ قضائي.
أما شركات التكنولوجيا الأخرى مثل Lavabit وSilent Circle، فقد اتخذت موقفًا خاصًّا بها؛ حيث أغلقت شركة Lavabit، التي قدمت البريد الإلكتروني الآمن لإدوارد سنودن على ما يُظَن- أبوابها بين عشيةٍ وضحاها بعد أن تم إجبارها على تسليم مفاتيح SSL (بروتوكول طبقة المنافذ الآمنة) الخاصة بخدمتها. أما شركة Silent Circle، كما هو مُتَوَقَع، قامت بعمل الشيء ذاته مع خدمة Silent Mail.
وبعد ذلك، لديك الحركات الشعبية مثل تروكريبت، التي جمَّعت المزيد من الأموال بشكلٍ أكثر مما كان متوقعًا؛ من أجل النظر في العجائب والغرائب الموجودة في الملفات الثنائية لويندوز، والخاصة بالمنتج الشعبي للتشفير مفتوح المصدر؛ حيث يجعل فقط الحركة مستمرةً من أجل التمعُّن والنظر داخل البرامج الأمنية الأخرى الشائعة مفتوحة المصدر، والموجودة في كل مكان.
وفي الشهر الماضي، صرح كريس سوغويان لموقع Threatpost قائلًا: “يُعَد وجود أعضاء متطرفين في المجتمع الأمني، هو أحد الآثار الدائمة والمستمرة لصيف سنودن… إن بعض هذه الأنظمة التي نعرفها منذ زمنٍ بعيدٍ لم تكن جيدة، ولكن خلت الساحة آنذاك من أحدٍ متحفزٍ للقيام بفعل شيء. الآن، هم يطرحون أسئلةً صعبة، ويدركون أن (قول الحكومة) “فقط ثقوا بنا”، أصبح أمرًا غير مفيد. ومن المضحك مشاهدة الزملاء والرفقاء المتحفظين للغاية، والعلماء الذين يعتقدون أن وظيفتهم فقط هي نشر الأوراق… من المضحك أن نشاهد هؤلاء وقد أصبحوا ناشطين للغاية”.
ولكن، هل يُعَد هذا التغيُّر بمثابة مساعدة؟ هل أنتم أيها المُغرِّدون على تويتر الذين أصبحتم ناشطين تُضيعون الوقت سُدى وبلا فائدة؟
في كل مرةٍ يجلس فيها مدير وكالة الأمن القومي (NSA) الجنرال كيث أليكسندر، أو مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر- أمام لجنة الكونغرس لشرح أنشطة المراقبة التابعة للوكالة، ويسارعان إلى توضيح مسألة وجود أساس قانونيٍّ لهذا النشاط. وبنص القانون، من المحتمل أن تكون هذه الأنشطة صحيحةً ومناسبة. توجد دائمًا ثغرة، يوجد دائمًا منفذ تنزلق من خلاله سالمًا. توجد دائمًا وسيلة… وتوجد بالتأكيد إرادة.
وليس صحيحًا أن المحامين فقط هم مَنْ يعملون ضدك، بل توجد أيضًا جماعات ضغط قوية، وربما مشَرّعون مُضَلَّلون. حيث يتم تقديم كل القوانين المتعلقة بالحرية في الولايات المتحدة الأمريكية (USA FREEDOM Act)؛ من أجل النظر والتمعُّن فيها، فمثلًا يوجد لديك شيءٌ مثل مشروع التحسينات المقترحة المراد إدخالها على (FISA) “قانون مراقبة المخابرات الأجنبية”، المُقدَّم من السيناتور ديان فاينشتاين رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، الذي يدعم المراقبة التي تُمَارَس من قِبَل وكالة الأمن القومي (NSA).
في حين أن مشروع القانون المُقَدَّم من قِبَل فاينشتاين، يفكر في تصعيد وزيادة بعض قوى وكالة الأمن القومي فيما يتعلق بالمراقبة، فإنه يوافق ضمنيًّا على جمع البيانات الوصفية على سبيل المثال، وسوف يسمح باستمرار ذلك. وهذا يؤدي إلى ظهور تناقضات مع قانون الحرية، الذي يدعو إلى الوقف الفوري والدائم لجمع البيانات بكمياتٍ كبيرة.
سيكون من الصعب إصلاح وكالة الأمن القومي (NSA)، أو الاطمئنان إلى حدوث ذلك. بل ربما يكون من الإنصاف أن نقول إن معظم الأمريكيين ما زالوا مُتخذين الموقف التقليدي المعتمد على المقولة القديمة والمستهلَكة: “ليس لدي شيءٌ لأخفيه، إذًا ما الذي يهمني إذا كانوا يراقبون كل ما أفعل”. ولكن المجتمع الأمني– نعم أصبحتم مجتمعًا– يعرف أفضل من ذلك؛ حيث توجد أخيرًا دعوةٌ إلى العمل، والتي من شأنها إيقاظ العاطفة والشغف لدى الأشخاص الذين أدركوا فجأة، لماذا أصبح من المهم الوقوف ومحاولة إحداث تغيير.