“قرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حجب الرسائل المشفرة”، انتشرت عناوين على هذه الشاكلة مؤخراً في مختلف وسائل الإعلام والمواقع المشهورة.
وتعددت الأراء حول هذه العناوين بين “حماية بريطانيا العظمى من حوادث مؤسفة مثل الهجوم الذي حصل مؤخراً في باريس”، إلى “يا إلهي! لقد اقتربت النهاية! سيتم حظر كل التشفير الآن!” مع إضافة بعض المبالغات المرعبة في هذا السيناريو بالطبع.
https://twitter.com/robaeprice/status/554700037520109568
وفي الواقع، فلا رأي من الاثنين مصيب، إذاً ما الذي حصل بالضبط؟ لا شيء مطلقاً، ببساطة طرح كاميرون سؤالاً بسيطاً أثناء إدلائه مجموعة ملاحظات رئيسية: “هل سنسمح بوسائل اتصال بين الأشخاص، والتي لن نستطيع قراءتها حتى بالحصول على تفويض موقع من الأمن القومي شخصياً؟” وأجاب بالنفي. وقال أنه في حال فوز الحزب المحافظ (بما يتضمن نفسه) في الانتخابات النيابية المقبلة، فسيبذل أفضل ما عنده كي يضمن وجود تشريع يمنع هذه الخسارة.
وبالطبع، فقد استغلت وسائل الإعلام هذه العبارة، وكررتها مراراً في أخبارها وحولتها لزيادة الإثارة. أولاً، لم يذكر كاميرون مسألة التشفير، إلا أن الجميع يودون التصديق بأن هذا ما كان يقصد قوله تحديداً، وبالتالي ليس هناك داعٍ لبدء انتشار الرعب والقلق.
ثانياً، هناك قانون صغير في بريطانيا، فيما يختص بالتشفير. وخلاصته، أنه إذا تم تشفير ملف تمتلكه، يتوجب عليك بناء على قانون المحكمة تزويد مفتاح أو أي وسائل أخرى لفك التشفير. ولا يهتم أحد إذا كنت تملك المفتاح الرئيسي أم لا، أو إذا كنت تملك أي بيانات مشفرة. أما إذا عجزت عن تقديم المفتاح لدى طلبه منك، فحضر نفسك للعقوبة أو حتى السجن.
David Cameron seeks cooperation of US president over encryption crackdown http://t.co/00G1F0IdSg
— The Guardian (@guardian) January 15, 2015
والآن، لنوسع خيالنا قليلاً: ليس من المتوقع أن يتم حظر التشفير في التطبيقات الخاصة، إذ أن هناك طرق مميزة أكثر لتحقيق هذا الأمر. على سبيل المثال، هناك حقوق لتقديم مفاتيح التشفير لخدمات سرية، ومنع الحماية باستخدام التشفير. وإضافة إلى ذلك، فقد تطلب من مزودي الخدمة القيام بتخزين بيانات لسنة كاملة، أو وضع كافة الاتصالات على الخط مرة واحدة.
ويحصل هذا الأمر في مختلف أنحاء العالم، ففي بريطانيا تم تمرير قانون الاحتفاظ بالبيانات وقوة التحقيق في ٢٠١٤، ويناقش صناع القرار حالياً فواتير الأمن ومكافحة الإرهاب. وتبقى الأهداف وراء هذا الأمر واحدة: مكافحة الإرهاب، والقرصنة والمحتوى الإباحي.
إذاً، ما مبرر كل هذه الضجة مع واتس آب، تيلجرام، وغيرها من برامج الدردشة الآمنة؟ أليس من الواضح بأن كل سلطة تبتغي التحكم الكامل والسيطرة على مواطنيها؟ ولا تساعد خدمات الحكومات الأمنية ولا زيادة السلطة في تحقيق الأهداف الأساسية، وهو أمر ليس جديداً.
أما فيما يتعلق بموضوع حظر التشفير، فقد أوضح كوري دوكترو مؤخراً سبب اعتبار هذه الفكرة حمقاء تماماً. إذ أن تاريخ الحظر لا يعلم الداعين لهذه الفكرة أي شيء. ولطرح مثال واضح، فقد دفع كاميرون بقانون فلترة المحتوى الإباحي في بريطانيا، والذي أصبح مطبقاً منذ السنة الماضية. هل يعتبر هذا القانون فعالاً؟ نوعاً ما، وبكلمات أخرى لا.