يُعد مقهى العلوم بالعاصمة الروسية موسكو، أحد الأماكن المحببة التي يتوافد عليها الطلاب الأوائل على صفوفهم. خلال الجمعة الماضية، حصل هؤلاء الطلاب على فرصةٍ مميزةٍ ليكتشفوا ما إذا كان قطاع أمن تكنولوجيا المعلومات مناسبًا لهم أم لا. يعتبر حدث “SCIENCESATION ” أحد الأحداث التي تُعقد بصفةٍ منتظمة، يقوم خلالها الخبراء البارعون في التخصصات العلمية البحتة، بعرض ومشاركة خبراتهم مع الطلاب أثناء تبادل وجبة الغذاء، بعيدًا عن الأجواء الرسمية. في هذه المرة، تم تخصيص الاجتماع للحديث حول الأمن الإلكتروني وتقنيات تكنولوجيا المعلومات؛ لذا، ليس من المُستغرَب أن يكون من بين الحضور ضيوفٌ من كاسبرسكي لاب.
فرض يوجين كاسبرسكي جو المناقشة الذي يرغب فيه، فحوَّل نكتة عن الطقس إلى خوض رحلةٍ شديدة الجدية، في عوالم الفيزياء والجغرافيا. ثم بعد ذلك بوقتٍ قصير، انتقل إلى الحديث عن علوم الحاسب، المجال المُقرب إلى قلبه. قام بتقديم وصفٍ موجزٍ عن الفئات الثلاث للجريمة الإلكترونية، وهي: النمط العادي للجريمة على الإنترنت، والتجسس، والهجمات على البنية التحتية المهمة. أوضح أن حكومات البلدان حول العالم تقف عاجزةً وغير مستعدةٍ لمواجهة النوع الثالث من التهديدات، وأننا بحاجةٍ إلى استثماراتٍ ضخمة – في الموارد والموظفين – لتحقيق مستوى حمايةٍ يمكن أن نعتمد عليه ونثق به. يقول يوجين كاسبرسكي: “يوجد عجزٌ في المتخصصين في مجال أمن تكنولوجيا المعلومات؛ لذلك، فإنهم يتقاضون رواتب مغرية جدًّا”.
السبب وراء هذا العجز، هو الحقيقة المُرة بأنه لا توجد جامعات تقوم بتدريب هؤلاء المتخصصين. ومع ذلك، فإن يوجين لا يجد في ذلك أي مشكلة، فالصناعة تتطور بسرعةٍ فائقة؛ لذلك، يجب أن يكون خط المواجهة هو المكان الوحيد المواكب للأحداث والمستجدات. أعلى يوجين من القيمة الكبيرة للتعليم الرسمي، الذي يحفز العقل على التفكير ويبقيه في أرفع مستوياته. وبعد الانتهاء من الدراسة الأكاديمية، يسهل التكيُّف مع الأجواء والتخصصات العملية. يتمثل هذا التعليم في النماذج الكلاسيكية كالرياضيات، وعلوم الفيزياء، والتخصصات الفنية والتقنية. وأضاف يوجين: “كما أنك أيضًا ستتلقى قسطًا مميزًا من تعلم الهندسة العكسية بعيدًا عن عالم الرياضيات، وستدرس أصعب التخصصات التي يمكنك التعامل معها”.
بعد ذلك، صعد كلٌّ من سيرجي نوفيكوف، وسيرجي جولوفانوف، وهما اثنان من أبرز خبراء كاسبرسكي لاب، على المسرح. قاما بعرض التهديدات الإلكترونية الموجودة، وأوضحا كيف أن هذه المعركة ستظل لسنواتٍ عِدة. وبعد شرح مجموعةٍ من أكثر البرمجيات الخبيثة قدرةً على التدمير في السنوات الأخيرة؛ مثل برنامج “Stuxnet”، الذي هو السلاح الإلكتروني والوباء واسع الانتشار في نظام “ماك ” ـ صرح الخبيران سيرجي أن كاسبرسكي لاب تكتشف حاليًا في كل يومٍ حوالي 200.000 نوع من البرمجيات الخبيثة، وتقوم بإدراجها في قاعدة البيانات التابعة للشركة. وبطبيعة الحال، فإن ذلك يستلزم استخدام أدوات آلية مُجرَّبة ومختبرة؛ للتعامل مع مثل هذا التدفق. كان ذلك هو الموضوع الذي تَرَكّز حوله العرض الذي قدمه سيرجي جولوفانوف، الذي يعمل في كاسبرسكي لاب منذ ثماني سنوات، وأحد “مصممي” الأدوات الآلية الموجودة، لمكافحة البرمجيات الخبيثة. إن الحياة المهنية لسيرجي تُعد مثالًا مميزًا وواضحًا على الفرص التي يوفرها قطاع أمن تكنولوجيا المعلومات؛ فالشخص النشيط الموهوب يمكنه أن يثق في تطور حياته/ حياتها المهنية، والنمو المطرد في راتبه، وحتى في أن يُصبح معروفًا ومشهورًا في وسائل الإعلام.
خلال جلسة وفقرة الأسئلة والأجوبة، برهن الطلاب على حقيقة أن الأذكياء فقط هم من يُدعَون إلى “مقهى العلوم”، فجميع الأسئلة جاءت موضوعيةً مع تنوعها الكبير، واشتملت على الرغبة في الاستفادة والنفعية، كهذا السؤال: “من أين تحصلون على الفيروسات لتقوموا بتحليلها؟ وصولًا إلى النوع المُغرق في المسائل الاجتماعية على شاكلة: “هل تتوافر أمام الفتيات أي فرصٍ للعمل في هذا المجال؟” وبالمناسبة، جاءت الردود كما يلي: يتم إرسال البرمجيات الخبيثة عن طريق المستخدمين، أو يتم الإيقاع بها من خلال نصب الفِخاخ على الشبكة، في حين تتبادل جميع الشركات العالمية العاملة في مجال مكافحة الفيروسات العينات يوميًّا. وبالطبع، إن الباب مفتوحٌ أمام الفتيات للعمل في هذا المجال، والدليل على ذلك، أن توجد العديد من النساء اللاتي تعملن في جميع أنحاء كاسبرسكي لاب. مؤخرًا، عيَّن فريق التحليل والأبحاث العالمية، الذي يعمل فيه الخبيران سيرجي، ثلاث فتيات.
بعدما انتهي خبيرا كاسبرسكي من عرضهما، تحولت الكلمة إلى مدير قسم العلوم والتعليم بمركز البحوث التطبيقية – جامعة موسكو الحكومية، رسلان سمايلانسكي، والذي بدوره قدم عرضًا حول الطبيعة الرقمية الحديثة. بعيدًا عن الموضوع المحدود والملائم الذي يتناول التهديدات الإلكترونية (والذي يشمل هجمات القرصنة والبرمجيات الخبيثة)، تحدث بشكلٍ أوسع عن المشاكل الأخرى، من الهجمات القائمة على نشر معلومات وهمية ومزيفة ـ إلى المشاكل الناتجة عن الهياكل المملوكة للدولة، والهياكل التجارية غير القادرة على تبادل المعلومات بشكلٍ صحيح.
قدم العرض الختامي أندريه يوستيوزانين، رئيس مشروع ياندكس – سيرن المشترك، والأستاذ المساعد في قسم علوم الحاسب بمعهد موسكو الفيزيائي التقني، والباحث الزائر في كلية “أمبريال” بلندن، وكان هذا العرض تحت عنوان: “الأسرار الصغيرة للبيانات الكبيرة”. تُعد البيانات الكبيرة موضوعًا مثيرًا للاهتمام؛ حيث تُعتبر منطقةً أخرى تعاني خلالها تكنولوجيا المعلومات الحديثة من نقصٍ وعجزٍ شديديْن في المتخصصين. فقد دعت الحاجة لتحليل المصفوفات شديدة الضخامة من المعلومات المختلفة وغير المتجانسة؛ من أجل اتخاذ القرارات التجارية الصحيحة ـ إلى وجود “باحثي بيانات”، وهو أحد التخصصات الجديدة التي يندُر التدريب عليها من الجهات الرسمية، لكنها قد تؤَمّن مُرتبًا مميزًا جدًّا. توجد صلتان تربطان موضوع البيانات الكبيرة بالأمن الإلكتروني؛ أولًا: هذه البيانات تستلزم حمايةً مشددةً جدًّا، ثانيًا: يفكر البعض في استخدام تلك البيانات الكبيرة لتحليل الحوادث الأمنية، وللتعرف على الاختراقات داخل شبكات الشركات، مما قد يساعد في المواجهة والتصدي للتهديدات الإلكترونية.
جميع الخبراء المدعوّين استمتعوا بفرصة لقاء هذا الجمع المتحمس والمهتم وجهًا لوجه. كما تلَقّى فريق “SCIENCESATION” تعليقاتٍ اتسمت بالإيجابية من ضيوف مقهى العلوم، كما أعرب الجميع عن تطلعاتهم لحضور المزيد من مثل هذه المؤتمرات في المستقبل.