وصل الإنترنت حاليًا بشكل أساسي إلى جميع أركان الكرة الأرضية — أي ليس سطحها وحسب. فأن تكون على الإنترنت وأنت على متن طائرة ليس بأمر جديد بالفعل بل وحتى رواد الفضاء الموجودين على متن محطة الفضاء الدولية متوفر لديهم ذلك. تستعد وكالات استكشاف الفضاء للانتقال والاتصال ببقية كواكب المجموعة الشمسية. ولا تتمحور شبكة ويب الفضاء حول العمل: فهي تساعد على اتصال المتغربين عن موطنهم في كوكب الأرض بمنازلهم. ويوضح هذا المنشور كيفية عملها الآن وكيفية تطورها مستقبلاً.
WWW on the ISS
تمكن طاقم محطة الفضاء الدولية من الوصول إلى شبكة الويب لأول مرة عام 2010. وكانت خدمة الوصول مقدمة من وكالة ناسا. حيث يستخدم رواد الفضاء رابط قمر صناعي للاتصال بأحد أجهزة الكمبيوتر في هيوستن في وضع سطح المكتب البعيد والدخول على الإنترنت منه. وهذه الطريقة أكثر أمانًا: ففي حالة فتح أحد أفراد طاقم محطة الفضاء الدولية لرابط أو ملف خبيث، فلن يتضرر سوى الكمبيوتر الأرضي.
قام رائد الفضاء التابع لوكالة ناسا تي جاي كريمر بتكريم وصول الإنترنت إلى محطة الفضاء الدولية بنشر أول تغريدة بدون مساعدة على الإطلاق من الفضاء:
Hello Twitterverse! We r now LIVE tweeting from the International Space Station — the 1st live tweet from Space! 🙂 More soon, send your ?s
— TJ Creamer (@Astro_TJ) January 22, 2010
إنترنت الفضاء الروسي
تخطط روسيا لتوصيل قسمها في محطة الفضاء الدولية قريبًا أيضًا. وستُنفَّذ المهمة باستخدام شبكة أقمار Luch الصناعية المتعلقة بالترحيل والتي تخضع حاليًا للترقية.
العام الماضي، قام رائدا الفضاء الكسندر ميسوركين وأنطون شكابليروف بترقية هوائي محطة الفضاء الدولية ليتلقى كميات ضخمة من البيانات من القمر الصناعي، وفي نفس الوقت إعداد سجل روسي لفترات العمل خارج المركبة الفضائية — 8 ساعات و12 دقيقة.
وفقًا لما ورد في ذكر سيرجي كريكاليف، المدير التنفيذي لوكالة Roscosmos لبرامج الفضاء المأهولة، أنه خضعت المعدات الجديدة بالفعل للاختبار وقريبًا ما ستتواجد محطة الفضاء الدولية على الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Luch.
عقبات الأقمار الصناعية
بالتأكيد الإنترنت المتوفر لدى محطة الفضاء الدولية ليس بنفس سرعة الإنترنت الذي لديك في المنزل وعدم تأخره تقريبًا. فاتصالات الأقمار الصناعية لها جانبان: إيجابيات تتعلق بوسائل التكنولوجيا السلكية — مثل توفّرها في الأماكن التي لا يمكن استخدام الكابلات فيها — وتحديات يجب تخطيها.
بينج عالٍ، سرعة منخفضة
رغم أن محطة الفضاء الدولية تدور على ارتفاع 400 كم تقريبًا، تغطي البيانات مسافة أبعد بكثير للوصول إلى الأرض. أولاً، ترسل محطة الفضاء الدولية الإشارة لأعلى — إلى أحد أقمار الترحيل الصناعية التي تطير على ارتفاع 35.786 كم فوق الأرض. ولا يمكن النزول سوى من هذه النقطة إلى إحدى محطات اتصال الفضاء الأرضية.
لذا، يبلغ إجمالي المسافة التي تغطيها البيانات الواردة من متن محطة الفضاء الدولية والإشارة الاستجابة المُرسلة ردًا عليها أقل من 150000 كيلومتر. وهذا يستغرق وقتًا. وفقًا لأحد موظفي وكالة ناسا، هناك مهلة إرسال مدتها حوالي نصف ثانية في تبادل البيانات مع محطة الفضاء الدولية — أي حوالي 20 مرة أكثر مقارنةً بالتوصيل بالكابل العادي.
وإضافةً إلى ذلك، يحتاج رواد الفضاء إلى توفّر رابط القمر الصناعي لأغراض أخرى أكثر من مجرد استخدام شبكة الويب. حيث يستخدمونه أيضًا لبث الكثير من البيانات العلمية والمحتويات المرئية (التي يتولى زملاؤهم على الأرض بثها على الإنترنت للمستخدمين لمتابعة الحياة على متن محطة الفضاء الدولية والمشاهد القادمة منها) إلى مركز مراقبة البعثات. ويستخدم رواد الفضاء نفس رابط القمر الصناعي في عقد المؤتمرات الصوتية والمرئية مع الآخرين على الأرض.
ونتيجةً لذلك، يمكن استخدام جزء ضئيل من عرض النطاق الترددي في التغريدات والتصفح. أضف إلى ذلك أنه بينما يصل اتساع وصلة القمر الصناعي الهابط بمقدار 300 ميجابايت في الثانية، يقتصر اتساع الوصلة الصاعدة على 25 ميجابايت في الثانية. لذا، فمن حيث السرعة يضاهي الاتصال المتوفر لدى محطة الفضاء الدولية أجهزة المودم القديمة.
إضافةً إلى ذلك، تخرج المحطة على فترات من نطاق تغطية القمر الصناعي. فكل ساعة ونصف تستغرقها محطة الفضاء الدولية في الدوران حول الأرض، من المحتمل ألا يتوفر لديها تغطية على الإطلاق لمدة تصل إلى 15 دقيقة.
وقود محدود
تظل الأقمار الصناعية على اتصال مستمر مع الأرض: فتدور بالضبط بنفس سرعة دوران كوكبنا نفسه لتظل فوق نفس النقطة طوال الوقت. ومع ذلك يتوجب ضبط المدار من وقتٍ لآخر وإلا توجد خطورة سقوط الأقمار الصناعية خارجه ويصبح غير متاح الوصول إليها. تُنفَّذ المناورات باستخدام الوقود الداسر. ولكن الأقمار الصناعية ليست سيارات ولا طائرات — فلا يمكنها أن تطير عائدةً إلى الأرض للتزود بالوقود.
ولحل هذه المشكلة، تبحث الشركات من حول العالم عن طرق لتزويد الأقمار الصناعية بالوقود مباشرةً في الفضاء. وتختبر شركة MDA Corporation الكندية بالتعاون مع حلول شركة Effective Space البريطانية الإسرائيلية الأنظمة التي ستقوم بتوصيل الوقود الداسر إلى المدار في القطاع الأمريكي من محطة الفضاء الدولية. كما ورد أن وكالة الفضاء الدولية (ESA) طورت محركًا يمكنه استخدام جزيئات الهواء من الطبقات العليا للغلاف الجوي للأرض للحصول على الوقود.
نقص الطاقة الكهربائية
يمكن حل مشكلة الوقود الداسر جزئيًا باستخدام الكهرباء: حيث تسمح بتقليل استهلاك الوقود، في حين أنها متجددة من خلال الألواح الشمسية. كما تتطلب الكهرباء الاتصال مع الأرض والسفن الفضائية الأخرى. ولكن تُحجب الأقمار الصناعية عن الشمس لجزء من الوقت بسبب كوكب الأرض، لذا تعمل بالبطاريات التي تتسم بإمكانية محدودة.
واقترح العلماء الروس حلاً يتضمن عدة عشرات من الروبوتات المدارية التي ستعيد شحن الأقمار الصناعية التي تنفد منها الطاقة. ستستمد الروبوتات الكهرباء من مصدرين، وهما الانبعاثات الشمسية والاتصالات اللاسلكية من الأرض. ويمكن أن تمد التكنولوجيا فترات عمر السفن الفضائية مرة ونصفًا أكثر، مع جعلها أخف وزنًا عن طريق التخلص من البطاريات والألواح الشمسية “غير اللازمة”.
فرط السخونة
تواجه أجهزة خفض تشويش الفضاء أو الأقمار الصناعية المتعلقة بالترحيل والتي تعمل دائمًا بكامل طاقتها، مشكلة فرط السخونة. نظرًا لعدم وجود هواء في الفضاء المداري، لن تجدي المراوح المستخدمة لتبريد أجهزة الكمبيوتر الموجودة على الأرض نفعًا إلى حدٍ ما. لذا، رغم أن الفضاء أكثر برودة بكثير من سطح الأرض، فإن مشكلة تبديد الحرارة تُعد مشكلة أكثر تحديًا بكثير.
وللحفاظ على السفن الفضائية من فرط السخونة، يتم تجهيزها بمبردات مشعة — وهي عبارة عن وحدات تنقل الحرارة داخل الانبعاثات الإشعاعية. وكلما زادت قوة القمر الصناعي، زاد حجم المبرد المشع المطلوب لتبريده. وبالتالي، فمن أجل تبريد أقمار الاتصالات الصناعية التي تبلغ طاقتها 25 كيلوواط ساعة والتي تنتمي إلى الجيل الجديد، صمَّم الباحثون مبردًا مشعًا بمقدار 4 x 1 متر.
الإشعاع الكوني
ثمة مشكلة أخرى تزعج كل ما هو إلكتروني، وهي الإشعاع الكوني. فهنا على الأرض تأتي الحماية من المجال المغناطيسي والغلاف الجوي للأرض. ولكن لا توجد مثل هذه الحماية في المدار، لذا تُبنى المكونات الإلكترونية المستخدمة في السفن الفضائية بحيث تتحمل الإشعاع. إلا أن الإشعاعات تظل إحدى المشكلات الرئيسية للأقمار الصناعية.
وفقًا لرائد الفضاء بافيل فينوجرادوف، توجد أجهزة كمبيوتر محمولة تتوقف عن العمل بسرعة شديدة في محطة الفضاء الدولية، رغم أن وحدات محطة الفضاء الدولية محمية بدرجة جيدة جدًا. كما تعاني الكاميرات أيضًا: فسرعان ما تتناثر البكسلات الميتة في الصور. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإشعاعات تتداخل بشكل جسيم في الإشارات التي ترسلها الأقمار الصناعية، وقد تدمر أجزاء فردية من ذاكرة الأجهزة الموجودة على متن المحطة.
الإشعاع ضد التشفير
الإشعاع هو أحد الأسباب وراء تبادل المعلومات بين الأرض والسفن الفضائية العديدة بدون تشفير: في حال دمَّر الإشعاع منطقة التخزين المستخدمة لمفتاح التشفير، فسينقطع الاتصال.
لا تُعد المشكلة خطيرة جدًا على الأقمار الصناعية المتعلقة بالترحيل التي من خلالها يتمكن طاقم محطة الفضاء الدولية من الدخول على الإنترنت — فهي محمية بشكل أو بآخر. ولكن هذا لا ينطبق على أغلب السفن الفضائية الأخرى في مدار الأرض.
يُعد الافتقار إلى التشفير موضوعًا حساسًا لأن الأقمار الصناعية شأنها كشأن أجهزة الكمبيوتر الأرضية، إنها تشكّل أهدافًا محتملة للهجوم. تمكنت وكالة الفضاء الدولية مؤخرًا من إطلاق تجربة بهدف تصحيح الوضع. يختبر الباحثون نهجين للحفاظ على اتصال قوي مُشفّر بالأقمار الصناعية بسعر معقول.
1. مفتاح قاعدي احتياطي ثانوي متصل بالجهاز. إذا تلف المفتاح الرئيسي، فسيولِّد النظام واحدًا جديدًا على أساس المفتاح الثانوي. ولكن لا يمكن تصميم سوى عددٍ محدودٍ من هذه المفاتيح.
2. مجموعة من أنوية المعالجات الدقيقة المتطابقة. إذا فشلت نواة، فستتولى الأمر نواة أخرى، بينما تعيد النواة المعيبة تحميل إعداداتها، وبالتالي تصلح نفسها.
أُخِذ الجهاز المستخدم في اختبار هذه الطرق إلى محطة الفضاء الدولية في أبريل هذا العام، ويُتوقع تشغيله باستمرار لمدة سنة على الأقل. وهو يستنِد إلى كمبيوتر Raspberry Pi Zero المصغَّر القياسي، مما يجعله حلاً منخفض التكلفة نسبيًا.
ولكن قد يصعب توقع أن الاتصال بالأقمار الصناعية سيصبح آمنًا في السنوات القادمة: فلا توجد طريقة سهلة لترقية الأنظمة التي أُطلِقَت بالفعل إلى الفضاء.
الإنترنت من كوكب آخر
بينما ينشغل بعض الباحثين بتحسين حماية الأقمار الصناعية وعرض النطاق الترددي، يفكر آخرون في إنشاء إنترنت بين الكواكب. من نواحٍ عديدة، تشبه المشكلات التي بحاجة إلى حل تلك المشكلات التي يواجهها طاقم محطة الفضاء الدولية، وإن كانت على نطاق مختلف.
على سبيل المثال، تستغرق الإشارة من 3 دقائق إلى 22 دقيقة لبلوغ المريخ، وذلك حسب وضع الكوكب الأحمر نسبةً إلى الأرض. وهذا ليس جيدًا بقدر التأخير نصف ثانية على محطة الفضاء الدولية. وإضافةً إلى ذلك، فكل عامين ينقطع الاتصال المباشر الممتد بين المريخ والأرض لمدة أسبوعين: حيث تعيق الشمس وصول الإشارات، فتضع نفسها بين الكوبين في ذلك الوقت.
ويتمتع إنترنت الفضاء ببعض السمات المميزة تمامًا. وبالتالي، تكون جميع عقد الشبكة في حركة مستمرة. وتثبت تقنيات الإنترنت الأرضي عدم جدواها في مثل هذه الظروف. لذا، فإن العلماء طوّروا ترتيبات بديلة لتمكين الاتصال بين الأرض والمريخ والقمر والكواكب الأخرى. قد تعتمد هذه على:
1. بروتوكولات نقل البيانات المصمَّمة للتكيف مع فترات التأخير الطويلة، وبشكل كبير معدلات الخطأ العالية وتكرار عدم إمكانية وصول العقد. مثل تحمل تعطل/تأخر الشبكات (DTN) حل نقل البيانات الخاصة بوكالة ناسا. ووفقًا لهذا النموذج، ستخزِّن العقد المتوسطة (مثل الأقمار الصناعية) البيانات حتى تصبح قادرةً على إرسالها إلى العقد التالية.
2. التخلي عن اتصالات الأقمار الصناعية الحالية القائمة على الإشارات اللاسلكية لصالح تقنيات نقل البيانات البصرية (مثل الليزر). أولاً، الاتصالات البصرية أسرع بعشر مرات. ثانيًا، أجهزة الإرسال والاستقبال البصرية أكثر انضغاطًا وتتطلب طاقة أقل — موارد أساسية على أي قمر صناعي للترحيل.
3. ترتيبات الأقمار الصناعية قادرة على إرسال الإشارة حول الشمس، حتى إذا كانت الأرض والمريخ (أو أي كواكب أخرى على إنترنت الفضاء) على الجوانب المقابلة للنجم.
المستقبل أقرب مما يبدو
كما ترى، فإن تواصل الشبكات الاجتماعية أو حتى عقْد المؤتمرات المرئية مع قاطني المريخ أو القمر ليس أمرًا رائعًا كما اعتاد أن يبدو. وقطعًا، لا يزال الطريق طويل أمام الجنس البشري لأخذ الإنترنت إلى عمق الفضاء، غير أننا بالفعل مشينا أول خطوات لنا نحو تحقيق ذلك.