ظهر في التقارير التي صدرت مؤخراً عن الهجمات الإلكترونية على مستوى العالم أن معظم الضحايا كانوا من المؤسسات والشركات التجارية الكبرى، لكن ذلك لا يعني أن مستخدمي أجهزة الكمبيوتر والشبكات من الأفراد يستطيعون تنفس الصعداء لأنهم لن يكونوا من بين الضحايا. الحقيقة أن ما يصيب الشركات والمؤسسات الكبرى من متاعب سوف يؤثر علينا بشكل أو بآخر حتى لو لم تغزُ الفيروسات الإلكترونية -مثل “واناكراي” أو “إكسبيتر” (المسمى أيضا: بيتيا ونوتبيتيا)- أجهزة الأفراد مباشرة.
من السهل ألا تفكر في احتمال أن تكون أنت نفسك ضحية، لكن الشركات الكبرى تركز أولاً على إنتاج السلع والخدمات التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية، ولك أن تفكر كم من الشركات تؤثر أعمالها علينا مباشرة مثل: منتجي المواد الغذائية، والموردين، وشركات الشحن، ومحلات التجزئة، وأنشطة النقل بدءاً من إشارات المرور حتى المواقع الإلكترونية التي تبيع تذاكر الطيران، إلى جانب أبراج المراقبة الجوية في المطارات –تعمل جميعها عبر الشبكات الإلكترونية– وبطبيعة الحال البنوك والمصارف.
إليك هذا المثال البسيط: شخص يذهب لشراء قطعة شوكولاتة، لكن المحل ليس لديه مخزون منها لأن فيروس “إكسبيتر” نجح في تحويل معلومات وبيانات مصنع الشوكولاتة إلى شفرات ورموز غامضة.
أو ربما أصبحت سلسلة محلات التجزئة التي تعرض الشوكولاتة هدفاً مباشراً لهجوم الفيروس الإلكتروني فصار من المتعذَّر التعامل مع تلك المحلات، نظراً لتعطل ماكينات تسجيل المدفوعات، مما اضطر الزبائن للوقوف في صفوف طويلة فزادت شدة الزحام واحتدمت النقاشات وعلت الأصوات ولم يبقَ للجميع غير مجرد الأمل في انقشاع تلك الأزمة في أقرب فرصة.
أو ربما تعرضت الشركة التي تتولى شحن الشوكولاتة على سفن شحن حاويات ضخمة لهجوم فيروس “إكسبيتر” الإلكتروني أيضاً، مما تسبب لها في معضلات جمَّة تخص حركة البضائع والتسليم والتسلُّم في موانئ مختلفة، فحدث أن توقفت جميع شحنات الشوكولاتة على خطوطها الملاحية.
والآن، دعونا نفكر في هذا الشخص الباحث في يأس عن الشوكولاتة والذي قرر السفر خارج البلاد بحثاً عنها بعد مراوغتها له كثيراً أو أنه قرر السفر في إجازة! لكنه يجد أجهزة الكمبيوتر الخادمة لشبكة النقل الجوي في المطار قد تم تشفيرها وترميزها هي الأخرى مما أدى إلى إلغاء كل الرحلات الجوية، وتعرضت شركات السياحة إلى مصاعب متراكمة وأرغمتها أعطال الأجهزة على إلغاء مبيعات جميع باقات عروضها السياحية في الإجازات.
في تلك المرحلة، ربما يعذر الناسُ بعضَ من أصابهم اليأس بحثاً عن الشوكولاتة إذا ما رغبوا في تناول مشروبات غازية مثلاً، لكن حتى هذا الخيار أصبح غير وارد لأن جميع منتجات المشروبات الغازية تم تشفير شبكاتها واتصالاتها مرتين: مرة في المصنع المنتج لها، والأخرى في محل بيعها بالتجزئة للزبائن.
المغزى المقصود من تلك الحكاية، هو أن فيروس “نوتبيتيا” العالمي قد أصبح وباء استشرى أثره في المجتمع كافة حتى لو كان قد أصاب أجهزة الشركات الكبرى فقط ولم يُصِب أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأفراد؛ لأنك اليوم تستطيع الحصول على قطعة الشوكولاتة التي ترغب فيها من المحل المجاور لك بسهولة، لكنَّ الغد في علم الغيب فقد تسوء الأمور بعد شهر-مثلاً- عندما يتعذر وصول الشحنات المقررة من المصنع الذي اتضح أنه فشل في حماية أنظمته الإلكترونية وشبكاته من هجوم الفيروسات.